سورة الدخان - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


وقولُه تعالى: {إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} جوابٌ من جهتهِ تعالى عن قولِهم رَّبنا اكشفْ عنَّا العذابَ إنَّا مؤمنونَ بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتهديد وما بينهما اعتراضٌ أيْ إنا نكشفُ العذابَ المعهودَ عنكم كشفاً قليلاً أو زماناً قليلاً إنكم تعودون إثرَ ذلك إلى ما كنتم عليه من العُتوِّ والإصرارِ على الكفر وتنسَون هذه الحالَة. وصيغةُ الفاعلِ في الفعلين للدِلالة على تحقُّقهما لا محالةَ، ولقد وقعَ كلاهُما حيثُ كشَفهُ الله تعالى بدعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فمَا لبِثُوا أنْ عادُوا إلى ما كانوا عليهِ من العُتوِّ والعِنادِ. ومَن فسر الدخانٍ بما هُو من الأشراطِ قال إذَا جاء الدخانُ تضوّرَ المعذبونَ به من الكفارِ والمنافقينِ وغوَّثُوا وقالُوا ربَّنا اكشفْ عنَّا العذابَ إنَّا مؤمنونَ فيكشفه الله تعالَى عنهُم بعدَ أربعينَ يوماً وريثما يكشفُه عنهم يرتدونَ ولا يتمهلونَ.
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يومَ القيامةِ وقيل: يومَ بدرٍ وهو ظرفٌ لما دلَّ عليه قولُه تعالى {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} لا لمنتقمون لأن إنَّ مانعةٌ من ذلكَ أي يومئذٍ ننتقمُ إنَّا منتقمون وقيلَ: هو بدلٌ من بدلٍ منْ يومَ تأتِي إلخ وقرئ: {نُبطش} أي نحملُ الملائكةَ على أن يبطشُوا بهم البطشةَ الكُبرى وهو التناولُ بعنفٍ وصَولةٍ أو نجعل البطشةَ الكُبرى باطشةً بهم وقرئ: {نبطُش} بضمِّ الطاءِ وهي لغةٌ. {ولقد فتنَّا قبلهم قومَ فرعونَ} أي امتحناهُم بإرسالِ مُوسى عليه السلامُ أو أوقعناهُم في الفتنةِ بالإمهالِ وتوسيعِ الرزقِ عليهم وقرئ بالتشديدِ، للمبالغة أو لكثرة القوم. أي امتحناهُم بإرسالِ مُوسى عليه السلامُ أو أوقعناهُم في الفتنةِ بالإمهالِ وتوسيعِ الرزقِ عليهم وقرئ بالتشديدِ، للمبالغة أو لكثرة القوم. {وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على الله تعالى أو على المؤمنين أو في نفسه لأن الله تعالى لم يبعثْ نبياً إلا منْ سَراةِ قومِه وكرامِهم. {أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} أيْ بأنْ أدُّوا إليَّ بني إسرائيلَ وأرسلُوهم معي أو بأنْ أَدُّوا إليَّ يا عبادَ الله حقَّه من الإيمانِ وقبولِ الدَّعوةِ، وقيلَ: أنْ مفسرةٌ، لأنَّ مجيءَ الرسولِ لا يكونُ إلا برسالةٍ ودعوةٍ، وقيل: مخففةٌ من الثقيلةِ أيْ جاءَهُم بأنَّ الشأنَ أدُّوا إلى إلخ. وقولُه تعالى: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} تعليلٌ للأمر أو لوجوب المأمورِ به أيْ رسولٌ غيرُ ظَنِينٍ قد ائتمننى الله تعالى على وحيه وصدَّقنِي بالمعجزاتِ القاهرةِ. {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} أي لا تتكبرُوا عليه تعالى بالاستهانة بوحيهِ وبرسوله وأنْ كالتي سلفتْ، وقولُه تعالى: {إِنِّىِ ءَاتِيكُم} أي من جهته تعالى {بسلطان مُّبِينٍ} تعليلٌ للنَّهي أيْ آتيكُم بحجةٍ واضحةٍ لا سبيلَ إلى إنكارها وآتيكم على صيغةِ الفاعلِ أو المضارعِ، وفي إيراد الأداءِ معَ الأمين، والسلطانِ مع العُلاَ منَ الجزالةِ مَا لا يَخْفى.


{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} أي التجأتُ إليهِ وتوكلتُ عليهِ {أَن تَرْجُمُونِ} من أنْ ترجمُونِي أيْ تُؤذونِي ضرباً أو شتماً أو أنْ تقتلوني، قيلَ لمَّا قالَ وأنْ لا تعلُوا على الله توعّدوه بالقتلِ. وقرئ بإدغامِ الذالِ في التَّاءِ. {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} أي وإنْ كابرتُم مقتضَى العقلِ ولم تُؤمنوا لي فخلُّوني كَفافاً عليَّ ولا ليَ، ولا تتعرضُوا لي بشرَ ولا أذَى فليس ذلك جزاءَ من يدعُوكم إلى ما فيهِ فلاحُكم. وحملُه على مَعْنى فاقطعُوا أسبابَ الوصلةِ عنِّي فلا موالاةَ بيني وبينَ منْ لا يُؤمنُ يأباهُ المقامُ.
{فَدَعَا رَبَّهُ} بعدما تمُّوا على تكذيبهِ عليه السَّلامُ {إِنَّ هَؤُلآء} أي بأنَّ هؤلاءِ {قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} وهو تعريضٌ بالدُّعاءِ عليهم بذكرِ ما استوجبُوه بهِ ولذلك سُمِّيَ دعاءً وقرئ بالكسرِ على إضمارِ القولِ. قبيلَ كانَ دعاؤُه اللَّهم عجِّلْ لهُم ما يستحقونَهُ بإجرامِهم، وقيلَ: هُو قولُه: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين} {فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً} بإضمارِ القولِ إِمَّا بعدَ الفاءِ أيْ فقالَ ربُّه: أسرِ بعبادِي وإما قبلَها كأنَّه قيلَ قال: إنْ كانَ الأمرُ كَما تقولُ فأسرِ بعبادِي أيْ ببنِي إسرائيلَ فقد دبَّر الله تعالى أنْ تتقدمُوا. وقرئ بوصلِ الهمزةِ منْ سَرَى. {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} أي يتبعُكم فرعونُ وجنودُه بعد ما علمُوا بخروجِكم. {واترك البحر رَهْواً} مفتوحاً ذا فجوةٍ واسعةٍ، أو ساكناً على هيئته بعدَ ما جاوزْتَه، ولا تضربْهُ بعصاكَ لينطبقَ ولا تغيِّرْهُ عن حالِه ليدخلَه القبطُ. {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} وقرئ: {أنَّهم} بالفتحِ أيْ لأَنَّهم {كَمْ تَرَكُواْ} أي كثيراً تركوا بمصرَ {مّن جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} محافلَ مزيّنة ومنازلَ محسَّنةٍ {وَنَعْمَةٍ} أي تنعمٍ {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمينَ وقرئ: {فكِهينَ} {كذلك} الكافُ في حيِّز النصب وذلك إشادة إلى مصدر فعل يدل عليه تركوا، أي مثل ذلك السلبِ سلبناهُم إيَّاها {وأورثناها قَوْماً ءَاخَرِينَ} وقيلَ: مثلَ ذلكَ الإخراجِ أخرجناهُم منها، وقيلَ: في حيزِ الرفعِ على الخبريةِ أيِ الأمرُ كذلكَ فحينئذٍ يكونُ أورثناهَا معطوفاً على تركُوا وعلى الأولَينِ على الفعلِ المقدرِ.


{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} مجازٌ عن عدمِ الاكتراثِ بهلاكِهم والاعتدادِ بوجودِهم، فيهِ تهكمٌ بهِم وبحالهم المنافيةِ لحالِ من يعظمُ فقدُه فيقالُ له بكتْ عليه السماءُ والأرضُ، ومنْهُ (ما رُويَ إنَّ المؤمنَ ليبكي عليه مُصَّلاهُ ومحلُّ عبادتِه ومصاعدُ عملِه ومهابطُ رزقِه وآثارُه في الأرضِ)، وقيلَ: تقديرُه أهلُ السماءِ والأرضِ. {وَمَا كَانُواْ} لمَّا جاءَ وقتُ هلاكِهم {مُّنظَرِينَ} ممهلينَ إلى وقتٍ أخرَ أو إلى الآخرةِ، بلْ عُجِّلَ لهم في الدُّنيا.
{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل} بأنْ فعلنا بفرعونَ وقومِه ما فعلنا {مِنَ العذاب المهين} من استعبادِ فرعونَ إيَّاهم وقتلِ أبنائِهم واستحياءِ نسائِهم على الخسفِ والضيمِ {مِن فِرْعَوْنَ} بدلٌ من العذابِ إمَّا على جعلِه نفسَ العذابِ لإفراطِه فيهِ، وإمَّا على حذفِ المضافِ أي عذابِ فرعونَ، أو حالٌ من المهينِ أي كائناً منْ فرعونَ. وقرئ: {مَنْ فرعونُ} على مَعْنى هل تعرفونَهُ من هُو في عُتوِّه وتفَرْعُنِهِ، وفي إبهامِ أمرهِ أولاً وتبيينِه بقولِه تعالَى {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين} ثانياً من الإفصاحِ عن كُنِه أمرِه في الشرِّ والفسادِ ما لا مزيدَ عليهِ. وقولُه تعالَى منَ المُسرفينَ إمَّا خبرٌ ثانٍ لكانَ أي كان متكبراً مسرفاً، أو حالٌ من الضميرِ في عالياً أيُ كانَ رفيعَ الطبقةِ من بينِ المسرفينَ فائقاً لهُم بليغاً في الإسرافِ. {وَلَقَدِ اخترناهم} أي بنِي إسرائيلَ {على عِلْمٍ} أي عالمينَ بأنَّهم أحِقَّاءُ بالاختيارِ أو عالمينَ بأنَّهم يزيغونَ في بعضِ الأوقاتِ ويكثرُ منُهم الفرطاتُ {عَلَى العالمين} جميعاً لكثرةِ الأنبياءِ فيهم أو على عالَمِيْ زمانِهم {وءاتيناهم مِنَ الأيات} كفلْقِ البحرِ وتظليلِ الغمامِ وإنزالِ المنِّ والسَّلْوى وغيرِها من عظائمِ الآياتِ التي لم يُعهدْ مثلُها في غيرِهم. {مَا فِيهِ بلاؤا مُّبِينٌ} نعمةٌ جليةٌ أو اختبارٌ ظاهرٌ لننظرَ كيفَ يعملونَ.
{إِنَّ هَؤُلآء} يَعْني كفارَ قريشٍ لأنَّ الكلامَ فيهم وقصةُ فرعونَ وقومِه مَسوقةٌ للدلالةِ على تماثِلهم في الإصرارِ عَلَى الضِّلالةِ والتحذيرِ عن حلولِ مثلِ ما حَلَّ بهم. {لَيَقُولُونَ * إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} أي ما العاقبةُ ونهايةُ الأمرِ إلا الموتةُ الأُولى المزيلُة للحياةِ الدُّنيويةِ، ولا قصدَ فيهِ إلى إثباتِ موتةٍ أُخْرى كمَا في قولِك حجَّ زيد الحجَّةَ الأُولى وماتَ. وقيلَ لمَّا قيلَ لهم: إنكُم تموتونَ موتةً تعقبُها حياةٌ كمَا تقدمتكم موتةٌ كذلكَ قالُوا ما هيَ إلا موتتُنا الأُولى أي ما الموتةُ التي تعقُبها حياةٌ إلا الموتةُ الأُولى وقيل: المَعْنى ليست الموتةُ إلا هذهِ الموتة دونَ الموتةِ التي تعقبُ حياةَ القبرِ كَما تزعمونَ {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثينَ.

1 | 2 | 3